المؤمن
بين
الاخلاص والرياء
مسعود بن سعيد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ
يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسسآءًاً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تساءلون بت وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً
يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً ، يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم ر يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ ر مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيِمَاً أما بعد :فإنَّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عباد الله ..إنَّ الإخلاص هو حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة المرسلين ..
قال سبحانه :مَنْ أَحْسَنُ دِينَاً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِن .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه . رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلّم : من تعلَّم علماً مما يُبتغى به وجه الله عزَّ وجل لا يتعلَّمه إلاَّ ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ـ يعني ريحها ـ يوم القيامة رواه أبو د اود .والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً .
أحبتي ..قد يقول قائل ماهر الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة وفي استعمال السلف الصالح رحمهم الله ..فأقول : لقد تنوَّعت تعاريف العلماء للإخلاص ، ولكنها تصبُّ في معين واحد
ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في سكناته وحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس .قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ سألته عن النية في العمل ، قلت : كيف النية ، قال : يعالج نفسه إذا أراد عملاً لا يريد به الناس ..أن يعالج نفسه فإذا أراد عملاً لا يريد به إلا وجه الله تبارك تعالى ..قال أحد العلماء : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازج نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا .
عباد الله ..
إنَّ شأن الإخلاص مع العبادات بل مع جميع الأعمال ، حتى المباحة لعجيب جداً .. فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير ، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً ، ورُبَّ درهم سبق مئة ألف درهم ..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة ..
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنَّه النسائي وابن حبَّان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة .. يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيُنشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجِّلٍ منها مدَّ البصر،ثم يقال : أتنكر من هذا شيئاً !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيُقال : أفَلك عذر أو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل:لا يا ربي ، فيُقال : بلى . إنَّ لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيُخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول : يا ربّي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة ، وما تصنع مع هذه السجلات من الذنوب ! ، فيُقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة . صححه الذهبي رحمه الله .
قال ابن القيم رحمه الله : فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة ، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض .
قال : ومن تأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ، ويقابلها تسعة وتسعين سجلاً كل سجل منها مدَّ البصر تثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يُعذَّب صاحبها.. ومعلوم أنَّ كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه لقلة إخلاصه في توحيده لربِّه تبارك وتعالى .ومن هذا أيضاً : حديث الرجل الذي سقى الكلب .. وفي رواية بغيٌ من بغايا بني إسرائيل ـ زانية ـ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: بينما رجل يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش،فقال الرجل:لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد بلغ مني ، فنزل البئر فملاً خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له،قالوا : يا رسول الله إنَّ لنا في البهائم أجراً ، فقال:في كل كبدٍ رطبة أجر متفق عليه .
وفي رواية البخاري فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة.
قد ترى أنَّ العمل بسيط ، لكن خالط من العمل الإخلاص الشيء الكثير . ومن هذا أيضاً ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:لقد رأيت رجلاً يتقلَّب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي
المسلمين ،وفي رواية:مرَّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال:والله لأنحينَّ هذا.والله لأنحينَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة ..
بعمل بسيط أخلصه لله ربِّ العالمين كان سبباً في دخوله الجنة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً على هذا الحديث ـ حديث البغي التي سقت الكلب ـ ،وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق .. قال رحمه الله : فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر الله لها ، وإلا فليست كل بغي سقت كلباً يُغفر لها .
فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال ..
إنه سرُّ الإخلاص الذي أودعه الله قلوب عباده الصادقين..
عباد الله ..وفي المقابل نجد أنَّ أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله لا قيمة لها ولا ثواب لها عليها بل صاحبها معرَّض للوعيد الشديد ، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير والقتال ، بل وطلب العلم الشرعي .
كما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَم يقول : ( إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ اُستشهد فأُتي به فعرَّفه نعمته فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟! قال : قاتلت فيك حتى اُستشهدت ، قال :
كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جرئ و لقد قيل ، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار .. وآخر تعلَّم العلم وعلَّمه ، وقرأ القرآن . فأُتي به فعرَّفه الله بنعمته عليه فعرفها ، قال : فما عملت ؟! قال : تعلَّمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت .ولكن تعلَّمت ليقال عالم و قارئ و قد قيل ، ثم يؤمر به فيُسحب على وجهه في النار فيُلقى فيها والعياذ بالله.
وآخر وسَّع الله عليه وأعطاه من صنوف المال. فأُتي به فعرَّفه الله نعمه عليه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ، ألا أنفقت فيها ؟!، قال : ما تركت من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها لك إلا أنفقت فيه ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال جواد وقد قيل ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار
إنه الإخلاص الذي يجعل للأعمال قيمة عند الله تبارك و تعالى ، فلا إنفاق، ولا استشهاد ، ولا قراءة قرآن. إلا بالإخلاص لله ربِّ العالمين
عباد الله .. من أجل ذلك فقد كان سلفنا الصالح من أشدِّ الناس خوفاً على أعمالهم من أن يخالطها الرياء أو تشوبها شائبة الشرك فكانوا رحمهم الله يجاهدون أنفسهم في أعمالهم وأقوالهم كي تكون خالصة لوجه الله تبارك وتعالى .ولذلك لما حدَّث يزيد بن هارون بحديث عمر رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات والإمام أحمد جالس ، فقال الإمام أحمد ليزيد : يا أبا خالد : هذا والله هو الخناق ..هذا والله هو الخناق أن تجعل عملك خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى.
وقال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشدّ عليَّ من نيتي لأنها تتقلب عليَّ في كل حين.
وقال يوسف بن أسباط : تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
وقال بعض السلف : من سرَّه أن يُكمَّل له عمله فليُحسِّن نيته فإنَّ الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسن نيته حتى باللقمة يأكلها .
قال سهل بن عبد الله التستري : ليس على النفس شيءٌ أشقُّ من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .
وقال ابن عيينة : كان من دعاء المطرِّف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت .
وهذا خالد بن معدان رحمه الله إذا عظمت حلقته من الطلاب ، قام خوف الشهرة والرياء.
وهذا محمد بن المنكدر يقول : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت على طاعة الله.
وهذا أيوب السختياني كان يقوم الليل كله فإذا جاء الصباح رفع صوته كأنه قد
استيقظ من حينه .
وكان رحمه الله إذا حدَّث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه البكاء وهو في حلقته ، فكان يشدُّ العمامة على عينه ويقول : ما أشدَّ الزكام.. ما أشدَّ الزكام..
وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحديث عجيب حصل لأيوب وقد عاهده ألاَّ يخبر إلا أن يموت أيوب ـ إذ لا رياء يومئذ ـ .
قال عبدالواحد : كنت مع أيوب فعطشنا عطشاً شديداً حتى كدنا نهلك ، فقال أيوب : تستر علي ، قلت : نعم إلا أن تموت، قال : عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حِراءٍ فتفجَّر منه الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
كانت بينهم وبين الله أسرار لو أقسم منهم على الله أحد لأبرَّه إلا لإخلاصهم وصدقهم مع الله تبارك وتعالى .
وقال أبو حازم :لا يحسن عبدٌ فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد ، ولا يعوِّر ما بينه وبين الله إلا أعوَّر الله ما بينه وبين العباد ، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.
هذا داود ابن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله .. كان له دكَّان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به ، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به ، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله ... أربعين سنة وهم لا يدرون بصيامه . وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة ولم تعلم به زوجته .
سبحان الله..انظر كيف ربّوا أنفسهم على الإخلاص وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة.. فهذه زوجته تضاجعه وينام معها ، ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به وبقيامه ..
أي إخفاء للعمل كهذا ! ، وأي إخلاص كهذا !، وأي أسرار كانت بينهم وبين الله !.
فأين بعض المسلمين اليوم ؟! أين بعض المسلمين اليوم الذي يحدِّث بجميع أعماله ، ولربما قام ليلة من الدهر لعلم به الأقارب والجيران والأصدقاء ..
ولو تصدَّق بصدقة أو أهدى هدية أو تبَّرع بمال أو عقار أو غير ذلك لعلمت الأمة في شرقها وغربها.
إني لأعجب من هؤلاء! أهم أكمل إيماناً وأقوى إخلاصاً من هؤلاء السلف ، بحيث أنَّ السلف يخفون أعمالهم لضعف إيمانهم وهؤلاء يظهرونها لكمال الإيمان ..
عجباً ثم عجباً ...
أوصيك أيها الغالي ..
إذا أردت أن يحبك الله ، وأن تنال رضاه فما عليك إلا بصدقات مخفية لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك فضلاً أن يعلمه الناس .
وما عليك إلا بركعات إمامُها الخشوع ، وقائدها الإخلاص تركعها في ظلمات الليل بحيث لا يراك إلا الله ولا يعلم بك أحد ..
فلما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الأجر ما الله به عليم { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِنْ قُرَةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
إنَّ تربية النفس على مثل هذه الأعمال لهو أبعد لها عن الرياء وأكمل لها في الإخلاص.
وقد كان محمد بن سيرين رحمه الله يضحك في النهار حتى تدمع عينه ، فإذا جاء الليل قطعه بالبكاء والصلاة .. ومن خير الناس بسَّام بالنهار بكَّاءٌ في الليل
الإخلاص سرٌّ بين العبد وبين ربّه لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه ، ولا شيطانٌ فيفسده .
ومن تقواه إخلاص العبودية لله ربِّ العالمين..
اعلموا أنَّ الإخلاص ينافيه عدة أمور. من حبِّ الدنيا ، والشهرة ، والشرف ، والرياء ،والسمعة ، والعُجب
والرياء : هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها...فهو يقصد التعظيم والرغبة أوالرهبة فيمن يرائيه.
وأما السمعة : فهي العمل لأجل إسماع الناس.
وأما العُجب : فهو قرين الرياء ، والعُجب : أن يُعجب الإنسان بعبادته ، ويرى نفسه بعين الإعجاب ..
وكل هذه من مهلكات الأعمال
وهناك أحبتي مسالك دقيقة جداً من مسالك الرياء يوقع الشيطان فيها العبد المؤمن من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر..
سأذكر بعضاً منها وإلا فالحديث طويلٌ جداً عن الرياء والعجب، ولكن حسبي أن أورد لك ثلاثةً من تلك المسالك الدقيقة للرياء ، وهذه المسالك غالباً ما يقع فيها الصالحون إلا من رحم الله.
أما أولها : فما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي ، قال : وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث لا يريد الإطلاع ، ولا يُسرُّ بظهور طاعته . ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام ، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء جوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له في المكان .. فإن قصَّر فيه مقصِّر ثقل ذلك على قلبه ، ووجد لذلك استبعاداً في نفسه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يفعلها ..كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يعملها.. أخفاها عن الناس ولكنه أراد ثوابها توقيراً واحتراماً من الناس.
وذلك أمر يوشك أن يقع فيه الكثير من الناس إلا من رحم الله.
أما ثانيها :
فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية ولا قصداً ، فيجعل الإخلاص وسيلةً لأحد المطالب الدنيوية .
وقد نبَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله : حُكي أنَّ أبا حامدٍ الغزالي بلغه أنه من أخلص لله أربعين يوماً تفجَّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ..قال : فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجَّر شيء .. فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجَّر شيء ، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي : إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تبارك وتعالى .. إنما أخلصت لتتفجَّر الحكمة بين يديك وعلى لسانك ولم تخلص لله ربّ العالمين.
وهذا مسلك خطير كما سمعت وقليل من يتفطَّن له.
والأمثلة عليه كثيرة من الواقع ..
فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات كصيام النوافل ، وقيام الليل ،وكثرة الصلاة ، والخشوع .. وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيُوفق في اختباره ، أو سيفوز بوظيفة ما .. فهذا إنما أخلص للإختبارات والوظيفة ، وما أخلص لله ربِّ العالمين .
ومن ذلك أيضاً أن يذهب بعض الناس إلى المسجد ماشياً ، أو يحج كل سنة ، أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة.. إنما أراد أن ينشِّط جسمه ، وما أراد وجه الله تبارك وتعالى .
قال الحافظ بن رجب رحمه الله : فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء مثل أخذ أجرة
للخدمة ، أو أخذ شيء من الغنيمة ، أوالتجارة ، نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية .. بل اجعل مشيك وحجك وجهادك عبادة خالصة لله تعالى .
وهذه الأشياء تحصل تبعاً للإخلاص الذي ينعقد في القلب.
أما ثالث هذه المسالك الدقيقة :
وهو ما أشار إليه الحافظ بن رجب رحمه الله بقوله : ها هنا نكتة دقيقة وهي أنَّ الإنسان قد يذمّ نفسه بين الناس.. أنَّ الإنسان قد يذمّ نفسه بين الناس يريد بذلك أن يُري الناس أنه متواضع عند نفسه ، فيرتفع بذلك عندهم و يسقط من عين الله .. فيرتفع عند الناس ويسقط من عين الله ، فيمدحونه وهو ساقط من عين الله.
وهذا من دقائق أبواب الرياء ، وقد نبَّه عليه السلف الصالح .. يأتي أقوام يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباءً منثوراً الذِّي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
الــريــاء والــســمــعــة :
عنون البخاري في صحيحه بهذا العنوان:باب الرياء والسمعة،وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم:من سمّع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به والفرق بين الرياء والسمعة:أن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، والسمعة العمل لأجل سماعهم .
فالرياء يتعلق بحاسة البصر .
والسمعة بحاسة السمع .
قال الحافظ ابن حجر:المراد بالسمعة نحو ما في الرياء ، لكنها تتعلق بحاسة السمع ، والرياء بحاسة البصر.
فالتسميع على هذا لا يكون إلا في الأمور التي تسمع كقراءة القرآن وذكر الله تعالى،ونحو ذلك .
إلا أن العز بن عبدالسلام يرى أن المراد : بالتسميع:هو أن يحدّث المرء غيره بما يفعله من الطاعات التي لم يطلع عليها المتحدث .
أما الرياء:فهي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس .
وعلى ذلك فالرياء لا يدخل في العبادات القلبية كالخوف والرجاء بخلاف التسميع،لأن العبد قد يحدث عما يكنه قلبه يريد بذلك ثناء الناس .
يقول العز بن عبدالسلام:أعمال القلوب مصونة من الرياء،إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة ترى أو تسمع ، والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح،وقد عد الصوم من الأعمال التي لا تظهر إلا بالتسميع.
وقسّم التسميع إلى قسمين :
الأول:تسميع الصادقين،وهو أن يعمل الطاعة خالصة لله،ثم يظهرها ويسمع الناس بها،ليعظموه،ويوقروه ، وينفعوه،ولا يؤذوه .
قال:وهذا محرم،وقد جاء في الحديث:من سمّع سمّع الله به ، ومن راءى راءى الله به،وهذا تسميع الصادقين .
الثاني:تسميع الكاذبين،وهو أن يقول:صليت ولم يصل،وزكيت ولم يزك،وصمت ولم يصم،وحججت ولم يحج،وغزوت ولم يغز .
فهذا أشد ذنبا من الأول،لأنه زاد على إثم التسميع إثم الكذب،فأتى بذلك معصيتين قبيحتين .
وجاء في الحديث الصحيح :المتسمع بما لم يعط كلابس ثوبي زور .
وقد يجمع العبد بين هذين الأمرين القبيحين:الرياء والتسميع .
يقول العز بن عبدالسلام في ذلك:لو راءى بعبادات ، ثم سمّع موهما لاخلاصهما،فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعا،وإثم هذا أشد من الكاذب الذي لم يفعل ما سمّع به،لأن هذا أثم بريائه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام
الرياء هو إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها،وذلك من أجل أن ينال مصلحة شخصية منهم، كالثناء والمدح مثلا، فهو قد أظهر صلاحا لمصلحة شخصية بينما هناك فساد يخفيه ، فالمرائي ينتزع إعجاب الناس،لكنه في الحقيقة لا قيمة له،كما أنه ساقط القيمة أمام الله تعالى،وأمام نفسه،إذا هو ضعيف الايمان والشخصية أيضا.
أما حكم الرياء في الاسلام حرام شرعا، والرياء يبطل العمل ويفسده ، ويعتبر شركا أصغر، وهو من الكبائر.
قالالله تعالى:وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَالنَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا.
الرياء في القلب:
وتكون النية غير خالصة لوجه الله تعالى.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال:إنّما الأعمال بالنيات، ولكل إمرىء مانوى.
في العمل، وبعض جهاته:
جهة البدن:
كالذي يظهر الجهد والعطش ليُري الناس أنه صائم ، أو يحك جبهته ليُري الناس علامة السجود.
جهة اللباس:
كأن يبالغ الرجل في تقصير ثوبه ليُري الناس أنه متبع للسنة .
جهة الصوت:
كأن يعلي صوته بالبكاء عند تلاوة القرآن ليقال إنه خاشع.
الوقاية من الرياء
استواء الذم والمدح
الدعاء لله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الاخلاص ويبعدنا عن الرياء
حضور الضمير اليقظ الوازع الديني:
الذي ينبه من:
الاعجاب بالنفس
حب الثناء
العلاج
استغفار الله والتوبة إليه
دفع خاطر الرياء
الاخلاص لله وتجديد النية.
قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه رضوان الله عليهم:"الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل،وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره.تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ، تقولها ثلاث مرار كل يوم".
عقاب المرائي
تُحبط أعماله وتصبح هباءا منثورا،وستضيع امال المرائي ويخيب سعيه وسيعامل بنقيض قصده وله عقوبتين عقوبه في الدنياوعقاب في الاخره:
عقوبه الدنيا :في الدنيا يفضح الله تعالى المرائي ستره ويظهرخباياه
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يراءالله به
قال الخطابي معناه من عمل عملا علي غير اخلاص وانما يريد ان يراه الناس ويسمعوه
جوزي على ذلك بان يشهره الله تعالى ويفضحه ويظهر ما يبطنه حتى وان اخفيا لمرائي كوامن النفس وخفايا الصدور فان الله تعالى يعلنها.
عقابه في الاخره: متوعد في نارجهنم والعياذ بالله منها
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:اول الناس يقضي يوم القيامه عليه وذكر منهم الشهيدوقارىء القران والمتصدق
الذين كانت اعمالهم لغير الله تعالى فيقال له كذبتولكنك فعلت ليقال كذا فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه ثم القي فيالنار
ويقول أيضاً صلى الله عليه واله وسلم:إنّ المرائي يدعى يوم القيامةبأربعة أسماء:يا كافر!يا فاجر!يا غادر! يا خاسر! حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاصلك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له
فالمرائي في الدنيا مفضوح وفي الاخره معذب.
الخاتمة
ذكِر نفسك دائما بأن العمل الذي تقوم به هو من أجل الله،ولا تتظاهر بما ليس فيك ، وتذكر أن الله يعلم ما في الصدور، وفي الختام أدعو الله عز وجل بأن يطهر قلوبنا من الرياء والنفاق،
وأرجو ان يكون هذا التقرير كامل، شامل على المعلومات الكافية .
اللهم اجعل عملنا في رضاك خالصاً لوجهك الكريم
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلمه ونستغفرك اللهم مما لا نعلم.
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ..
اللهم حبّب إلينا الإيمان ، وزيّنه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان
اجعلنا يا ربنا من الراشدين و أرنا الحق حقَّاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اجمع شملنا ، وحّد صفنا ، أصلح ولاة أمورنا انصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين
آمنا في أوطاننا
ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
عباد الله
إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَكُم تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنعُونَ
بين
الاخلاص والرياء
مسعود بن سعيد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ
يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسسآءًاً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تساءلون بت وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً
يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً ، يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم ر يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ ر مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيِمَاً أما بعد :فإنَّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عباد الله ..إنَّ الإخلاص هو حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة المرسلين ..
قال سبحانه :مَنْ أَحْسَنُ دِينَاً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِن .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه . رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلّم : من تعلَّم علماً مما يُبتغى به وجه الله عزَّ وجل لا يتعلَّمه إلاَّ ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ـ يعني ريحها ـ يوم القيامة رواه أبو د اود .والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً .
أحبتي ..قد يقول قائل ماهر الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة وفي استعمال السلف الصالح رحمهم الله ..فأقول : لقد تنوَّعت تعاريف العلماء للإخلاص ، ولكنها تصبُّ في معين واحد
ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في سكناته وحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس .قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ سألته عن النية في العمل ، قلت : كيف النية ، قال : يعالج نفسه إذا أراد عملاً لا يريد به الناس ..أن يعالج نفسه فإذا أراد عملاً لا يريد به إلا وجه الله تبارك تعالى ..قال أحد العلماء : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازج نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا .
عباد الله ..
إنَّ شأن الإخلاص مع العبادات بل مع جميع الأعمال ، حتى المباحة لعجيب جداً .. فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير ، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً ، ورُبَّ درهم سبق مئة ألف درهم ..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة ..
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنَّه النسائي وابن حبَّان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة .. يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيُنشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجِّلٍ منها مدَّ البصر،ثم يقال : أتنكر من هذا شيئاً !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيُقال : أفَلك عذر أو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل:لا يا ربي ، فيُقال : بلى . إنَّ لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيُخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول : يا ربّي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة ، وما تصنع مع هذه السجلات من الذنوب ! ، فيُقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة . صححه الذهبي رحمه الله .
قال ابن القيم رحمه الله : فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة ، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض .
قال : ومن تأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ، ويقابلها تسعة وتسعين سجلاً كل سجل منها مدَّ البصر تثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يُعذَّب صاحبها.. ومعلوم أنَّ كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه لقلة إخلاصه في توحيده لربِّه تبارك وتعالى .ومن هذا أيضاً : حديث الرجل الذي سقى الكلب .. وفي رواية بغيٌ من بغايا بني إسرائيل ـ زانية ـ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: بينما رجل يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش،فقال الرجل:لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد بلغ مني ، فنزل البئر فملاً خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له،قالوا : يا رسول الله إنَّ لنا في البهائم أجراً ، فقال:في كل كبدٍ رطبة أجر متفق عليه .
وفي رواية البخاري فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة.
قد ترى أنَّ العمل بسيط ، لكن خالط من العمل الإخلاص الشيء الكثير . ومن هذا أيضاً ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:لقد رأيت رجلاً يتقلَّب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي
المسلمين ،وفي رواية:مرَّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال:والله لأنحينَّ هذا.والله لأنحينَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة ..
بعمل بسيط أخلصه لله ربِّ العالمين كان سبباً في دخوله الجنة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً على هذا الحديث ـ حديث البغي التي سقت الكلب ـ ،وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق .. قال رحمه الله : فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر الله لها ، وإلا فليست كل بغي سقت كلباً يُغفر لها .
فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال ..
إنه سرُّ الإخلاص الذي أودعه الله قلوب عباده الصادقين..
عباد الله ..وفي المقابل نجد أنَّ أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله لا قيمة لها ولا ثواب لها عليها بل صاحبها معرَّض للوعيد الشديد ، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير والقتال ، بل وطلب العلم الشرعي .
كما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَم يقول : ( إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ اُستشهد فأُتي به فعرَّفه نعمته فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟! قال : قاتلت فيك حتى اُستشهدت ، قال :
كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جرئ و لقد قيل ، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار .. وآخر تعلَّم العلم وعلَّمه ، وقرأ القرآن . فأُتي به فعرَّفه الله بنعمته عليه فعرفها ، قال : فما عملت ؟! قال : تعلَّمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت .ولكن تعلَّمت ليقال عالم و قارئ و قد قيل ، ثم يؤمر به فيُسحب على وجهه في النار فيُلقى فيها والعياذ بالله.
وآخر وسَّع الله عليه وأعطاه من صنوف المال. فأُتي به فعرَّفه الله نعمه عليه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ، ألا أنفقت فيها ؟!، قال : ما تركت من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها لك إلا أنفقت فيه ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال جواد وقد قيل ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار
إنه الإخلاص الذي يجعل للأعمال قيمة عند الله تبارك و تعالى ، فلا إنفاق، ولا استشهاد ، ولا قراءة قرآن. إلا بالإخلاص لله ربِّ العالمين
عباد الله .. من أجل ذلك فقد كان سلفنا الصالح من أشدِّ الناس خوفاً على أعمالهم من أن يخالطها الرياء أو تشوبها شائبة الشرك فكانوا رحمهم الله يجاهدون أنفسهم في أعمالهم وأقوالهم كي تكون خالصة لوجه الله تبارك وتعالى .ولذلك لما حدَّث يزيد بن هارون بحديث عمر رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات والإمام أحمد جالس ، فقال الإمام أحمد ليزيد : يا أبا خالد : هذا والله هو الخناق ..هذا والله هو الخناق أن تجعل عملك خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى.
وقال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشدّ عليَّ من نيتي لأنها تتقلب عليَّ في كل حين.
وقال يوسف بن أسباط : تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
وقال بعض السلف : من سرَّه أن يُكمَّل له عمله فليُحسِّن نيته فإنَّ الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسن نيته حتى باللقمة يأكلها .
قال سهل بن عبد الله التستري : ليس على النفس شيءٌ أشقُّ من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .
وقال ابن عيينة : كان من دعاء المطرِّف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت .
وهذا خالد بن معدان رحمه الله إذا عظمت حلقته من الطلاب ، قام خوف الشهرة والرياء.
وهذا محمد بن المنكدر يقول : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت على طاعة الله.
وهذا أيوب السختياني كان يقوم الليل كله فإذا جاء الصباح رفع صوته كأنه قد
استيقظ من حينه .
وكان رحمه الله إذا حدَّث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه البكاء وهو في حلقته ، فكان يشدُّ العمامة على عينه ويقول : ما أشدَّ الزكام.. ما أشدَّ الزكام..
وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحديث عجيب حصل لأيوب وقد عاهده ألاَّ يخبر إلا أن يموت أيوب ـ إذ لا رياء يومئذ ـ .
قال عبدالواحد : كنت مع أيوب فعطشنا عطشاً شديداً حتى كدنا نهلك ، فقال أيوب : تستر علي ، قلت : نعم إلا أن تموت، قال : عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حِراءٍ فتفجَّر منه الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
كانت بينهم وبين الله أسرار لو أقسم منهم على الله أحد لأبرَّه إلا لإخلاصهم وصدقهم مع الله تبارك وتعالى .
وقال أبو حازم :لا يحسن عبدٌ فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد ، ولا يعوِّر ما بينه وبين الله إلا أعوَّر الله ما بينه وبين العباد ، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.
هذا داود ابن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله .. كان له دكَّان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به ، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به ، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله ... أربعين سنة وهم لا يدرون بصيامه . وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة ولم تعلم به زوجته .
سبحان الله..انظر كيف ربّوا أنفسهم على الإخلاص وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة.. فهذه زوجته تضاجعه وينام معها ، ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به وبقيامه ..
أي إخفاء للعمل كهذا ! ، وأي إخلاص كهذا !، وأي أسرار كانت بينهم وبين الله !.
فأين بعض المسلمين اليوم ؟! أين بعض المسلمين اليوم الذي يحدِّث بجميع أعماله ، ولربما قام ليلة من الدهر لعلم به الأقارب والجيران والأصدقاء ..
ولو تصدَّق بصدقة أو أهدى هدية أو تبَّرع بمال أو عقار أو غير ذلك لعلمت الأمة في شرقها وغربها.
إني لأعجب من هؤلاء! أهم أكمل إيماناً وأقوى إخلاصاً من هؤلاء السلف ، بحيث أنَّ السلف يخفون أعمالهم لضعف إيمانهم وهؤلاء يظهرونها لكمال الإيمان ..
عجباً ثم عجباً ...
أوصيك أيها الغالي ..
إذا أردت أن يحبك الله ، وأن تنال رضاه فما عليك إلا بصدقات مخفية لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك فضلاً أن يعلمه الناس .
وما عليك إلا بركعات إمامُها الخشوع ، وقائدها الإخلاص تركعها في ظلمات الليل بحيث لا يراك إلا الله ولا يعلم بك أحد ..
فلما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الأجر ما الله به عليم { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِنْ قُرَةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
إنَّ تربية النفس على مثل هذه الأعمال لهو أبعد لها عن الرياء وأكمل لها في الإخلاص.
وقد كان محمد بن سيرين رحمه الله يضحك في النهار حتى تدمع عينه ، فإذا جاء الليل قطعه بالبكاء والصلاة .. ومن خير الناس بسَّام بالنهار بكَّاءٌ في الليل
الإخلاص سرٌّ بين العبد وبين ربّه لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه ، ولا شيطانٌ فيفسده .
ومن تقواه إخلاص العبودية لله ربِّ العالمين..
اعلموا أنَّ الإخلاص ينافيه عدة أمور. من حبِّ الدنيا ، والشهرة ، والشرف ، والرياء ،والسمعة ، والعُجب
والرياء : هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها...فهو يقصد التعظيم والرغبة أوالرهبة فيمن يرائيه.
وأما السمعة : فهي العمل لأجل إسماع الناس.
وأما العُجب : فهو قرين الرياء ، والعُجب : أن يُعجب الإنسان بعبادته ، ويرى نفسه بعين الإعجاب ..
وكل هذه من مهلكات الأعمال
وهناك أحبتي مسالك دقيقة جداً من مسالك الرياء يوقع الشيطان فيها العبد المؤمن من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر..
سأذكر بعضاً منها وإلا فالحديث طويلٌ جداً عن الرياء والعجب، ولكن حسبي أن أورد لك ثلاثةً من تلك المسالك الدقيقة للرياء ، وهذه المسالك غالباً ما يقع فيها الصالحون إلا من رحم الله.
أما أولها : فما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي ، قال : وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث لا يريد الإطلاع ، ولا يُسرُّ بظهور طاعته . ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام ، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء جوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له في المكان .. فإن قصَّر فيه مقصِّر ثقل ذلك على قلبه ، ووجد لذلك استبعاداً في نفسه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يفعلها ..كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يعملها.. أخفاها عن الناس ولكنه أراد ثوابها توقيراً واحتراماً من الناس.
وذلك أمر يوشك أن يقع فيه الكثير من الناس إلا من رحم الله.
أما ثانيها :
فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية ولا قصداً ، فيجعل الإخلاص وسيلةً لأحد المطالب الدنيوية .
وقد نبَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله : حُكي أنَّ أبا حامدٍ الغزالي بلغه أنه من أخلص لله أربعين يوماً تفجَّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ..قال : فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجَّر شيء .. فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجَّر شيء ، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي : إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تبارك وتعالى .. إنما أخلصت لتتفجَّر الحكمة بين يديك وعلى لسانك ولم تخلص لله ربّ العالمين.
وهذا مسلك خطير كما سمعت وقليل من يتفطَّن له.
والأمثلة عليه كثيرة من الواقع ..
فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات كصيام النوافل ، وقيام الليل ،وكثرة الصلاة ، والخشوع .. وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيُوفق في اختباره ، أو سيفوز بوظيفة ما .. فهذا إنما أخلص للإختبارات والوظيفة ، وما أخلص لله ربِّ العالمين .
ومن ذلك أيضاً أن يذهب بعض الناس إلى المسجد ماشياً ، أو يحج كل سنة ، أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة.. إنما أراد أن ينشِّط جسمه ، وما أراد وجه الله تبارك وتعالى .
قال الحافظ بن رجب رحمه الله : فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء مثل أخذ أجرة
للخدمة ، أو أخذ شيء من الغنيمة ، أوالتجارة ، نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية .. بل اجعل مشيك وحجك وجهادك عبادة خالصة لله تعالى .
وهذه الأشياء تحصل تبعاً للإخلاص الذي ينعقد في القلب.
أما ثالث هذه المسالك الدقيقة :
وهو ما أشار إليه الحافظ بن رجب رحمه الله بقوله : ها هنا نكتة دقيقة وهي أنَّ الإنسان قد يذمّ نفسه بين الناس.. أنَّ الإنسان قد يذمّ نفسه بين الناس يريد بذلك أن يُري الناس أنه متواضع عند نفسه ، فيرتفع بذلك عندهم و يسقط من عين الله .. فيرتفع عند الناس ويسقط من عين الله ، فيمدحونه وهو ساقط من عين الله.
وهذا من دقائق أبواب الرياء ، وقد نبَّه عليه السلف الصالح .. يأتي أقوام يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباءً منثوراً الذِّي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
الــريــاء والــســمــعــة :
عنون البخاري في صحيحه بهذا العنوان:باب الرياء والسمعة،وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم:من سمّع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به والفرق بين الرياء والسمعة:أن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، والسمعة العمل لأجل سماعهم .
فالرياء يتعلق بحاسة البصر .
والسمعة بحاسة السمع .
قال الحافظ ابن حجر:المراد بالسمعة نحو ما في الرياء ، لكنها تتعلق بحاسة السمع ، والرياء بحاسة البصر.
فالتسميع على هذا لا يكون إلا في الأمور التي تسمع كقراءة القرآن وذكر الله تعالى،ونحو ذلك .
إلا أن العز بن عبدالسلام يرى أن المراد : بالتسميع:هو أن يحدّث المرء غيره بما يفعله من الطاعات التي لم يطلع عليها المتحدث .
أما الرياء:فهي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس .
وعلى ذلك فالرياء لا يدخل في العبادات القلبية كالخوف والرجاء بخلاف التسميع،لأن العبد قد يحدث عما يكنه قلبه يريد بذلك ثناء الناس .
يقول العز بن عبدالسلام:أعمال القلوب مصونة من الرياء،إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة ترى أو تسمع ، والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح،وقد عد الصوم من الأعمال التي لا تظهر إلا بالتسميع.
وقسّم التسميع إلى قسمين :
الأول:تسميع الصادقين،وهو أن يعمل الطاعة خالصة لله،ثم يظهرها ويسمع الناس بها،ليعظموه،ويوقروه ، وينفعوه،ولا يؤذوه .
قال:وهذا محرم،وقد جاء في الحديث:من سمّع سمّع الله به ، ومن راءى راءى الله به،وهذا تسميع الصادقين .
الثاني:تسميع الكاذبين،وهو أن يقول:صليت ولم يصل،وزكيت ولم يزك،وصمت ولم يصم،وحججت ولم يحج،وغزوت ولم يغز .
فهذا أشد ذنبا من الأول،لأنه زاد على إثم التسميع إثم الكذب،فأتى بذلك معصيتين قبيحتين .
وجاء في الحديث الصحيح :المتسمع بما لم يعط كلابس ثوبي زور .
وقد يجمع العبد بين هذين الأمرين القبيحين:الرياء والتسميع .
يقول العز بن عبدالسلام في ذلك:لو راءى بعبادات ، ثم سمّع موهما لاخلاصهما،فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعا،وإثم هذا أشد من الكاذب الذي لم يفعل ما سمّع به،لأن هذا أثم بريائه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام
الرياء هو إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها،وذلك من أجل أن ينال مصلحة شخصية منهم، كالثناء والمدح مثلا، فهو قد أظهر صلاحا لمصلحة شخصية بينما هناك فساد يخفيه ، فالمرائي ينتزع إعجاب الناس،لكنه في الحقيقة لا قيمة له،كما أنه ساقط القيمة أمام الله تعالى،وأمام نفسه،إذا هو ضعيف الايمان والشخصية أيضا.
أما حكم الرياء في الاسلام حرام شرعا، والرياء يبطل العمل ويفسده ، ويعتبر شركا أصغر، وهو من الكبائر.
قالالله تعالى:وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَالنَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا.
الرياء في القلب:
وتكون النية غير خالصة لوجه الله تعالى.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال:إنّما الأعمال بالنيات، ولكل إمرىء مانوى.
في العمل، وبعض جهاته:
جهة البدن:
كالذي يظهر الجهد والعطش ليُري الناس أنه صائم ، أو يحك جبهته ليُري الناس علامة السجود.
جهة اللباس:
كأن يبالغ الرجل في تقصير ثوبه ليُري الناس أنه متبع للسنة .
جهة الصوت:
كأن يعلي صوته بالبكاء عند تلاوة القرآن ليقال إنه خاشع.
الوقاية من الرياء
استواء الذم والمدح
الدعاء لله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الاخلاص ويبعدنا عن الرياء
حضور الضمير اليقظ الوازع الديني:
الذي ينبه من:
الاعجاب بالنفس
حب الثناء
العلاج
استغفار الله والتوبة إليه
دفع خاطر الرياء
الاخلاص لله وتجديد النية.
قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه رضوان الله عليهم:"الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل،وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره.تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ، تقولها ثلاث مرار كل يوم".
عقاب المرائي
تُحبط أعماله وتصبح هباءا منثورا،وستضيع امال المرائي ويخيب سعيه وسيعامل بنقيض قصده وله عقوبتين عقوبه في الدنياوعقاب في الاخره:
عقوبه الدنيا :في الدنيا يفضح الله تعالى المرائي ستره ويظهرخباياه
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يراءالله به
قال الخطابي معناه من عمل عملا علي غير اخلاص وانما يريد ان يراه الناس ويسمعوه
جوزي على ذلك بان يشهره الله تعالى ويفضحه ويظهر ما يبطنه حتى وان اخفيا لمرائي كوامن النفس وخفايا الصدور فان الله تعالى يعلنها.
عقابه في الاخره: متوعد في نارجهنم والعياذ بالله منها
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:اول الناس يقضي يوم القيامه عليه وذكر منهم الشهيدوقارىء القران والمتصدق
الذين كانت اعمالهم لغير الله تعالى فيقال له كذبتولكنك فعلت ليقال كذا فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه ثم القي فيالنار
ويقول أيضاً صلى الله عليه واله وسلم:إنّ المرائي يدعى يوم القيامةبأربعة أسماء:يا كافر!يا فاجر!يا غادر! يا خاسر! حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاصلك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له
فالمرائي في الدنيا مفضوح وفي الاخره معذب.
الخاتمة
ذكِر نفسك دائما بأن العمل الذي تقوم به هو من أجل الله،ولا تتظاهر بما ليس فيك ، وتذكر أن الله يعلم ما في الصدور، وفي الختام أدعو الله عز وجل بأن يطهر قلوبنا من الرياء والنفاق،
وأرجو ان يكون هذا التقرير كامل، شامل على المعلومات الكافية .
اللهم اجعل عملنا في رضاك خالصاً لوجهك الكريم
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلمه ونستغفرك اللهم مما لا نعلم.
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ..
اللهم حبّب إلينا الإيمان ، وزيّنه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان
اجعلنا يا ربنا من الراشدين و أرنا الحق حقَّاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اجمع شملنا ، وحّد صفنا ، أصلح ولاة أمورنا انصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين
آمنا في أوطاننا
ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
عباد الله
إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَكُم تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنعُونَ